تحت عين الرقيب

وَمَنْ يَتهَيّبُ صُعودَ الجِبالِ ..... يَعِشْ أبَدَ الدهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ

شادي صدقي أبو مُخ

يعيش مجتمعنا العربي منحدرا أخلاقيا خطيرا يهدد كيانه ويهز أركانه ، أركان مضعضعة تزداد هشاشتها يوميا . ذلك لابتعاد الناس عن
المنبع الصافي والتوجيه السليم واتخاذهم سبلا التوائية ممنهجة دربا لهم ومرجعا موجها في حياتهم . مما يضمن تأشيرة دخول لدوامة نعلم ملامح مدخلها نجهل مضاعفاتها وعواقبها ، تفائجنا نتائجها نظنها قاسية، فتزعزعنا الحالة التالية.

مجتمع مضغوط, غضبه متأجج ثائر يهدد بالانفجار كل حين ، طاقات تنفق وتهدر في غير موضعها بتهور، هتك أعراض ، اعتداء على الحرمات واستباحتها ، قتل وضرب، سرقة وتخريب ممتلكات ، تهديد ووعيد ، مشاكل عائلية واجتماعية، مادية واقتصادية، منزلق سلس مُـغر ، احترام وتوقير للجاني خوف ومكانة ورفعة ، تغرّه فيزداد غطرسة وعربدة ، تجنيد شباب غض لعالم الاجرام القبيح ، تدمير وهدم حياتهم بلا شفقة لمجرد تحقيق مارب هم ضحيتها، لتبك أم بحرقة فلذة كبدها.

يقول سيد قطب رحمه الله في مقدمة كتابه " معالم في الطريق" : ( تقف البشرية على حافة الهاوية، لا بسبب التهديد الفناء المعلق على رأسها، فهذا عرض للمرض وليس هو المرض ، ولكن بسلل افلاسها في عالم "القيم" التي يمكن أن تنمي الحياة الانسانية في ظلالها نموا سليما ونترقى ترقيا صحيحا.)

فساد أخلاقي متشعب، مجال يبدع فيه أهل الاختصاص وناشروا الفتن، يرى البعض الغرب وأعوانهم السبب وغزوهم الفكري ، إلا أن مجتمعنا يفتقر للفكر أصلا ، فالأهل نسوا دورهم الأول ، نسوا أنهم مدرسة القيم والأخلاق وانشغلوا بالانتاج المادي وليس في بناء الانسان ، متجاهلين أن بناء الانسان هو الأساس ، بناء يُوجب استنفاذ كافة الموارد وتسخير الجهود لتقويته وصلابة أساساته ، كي لا يكون أهون من بيت العنكبوت تتلاعب به الرياح حيث تدور، فالابنية لا تنهار بأسباب وعوامل خارجية ، انما هو النخر الباطن.

يقول الشيخ ابن القيم رحمه الله في كتابه " تحفة المودود بأحكام المولود" : ( الأطفال هم المستقبل، وهذا شعار حقيقة لا مجاز ، واقع لا خيال، فمن ثم ينبغي أن يصرف الهم الأكبر الى تهيئتهم ليكونوا مؤتمنين على مستقبل أمة الاسلام ، وينبغي أن نتخلى أن نظرتنا الى هؤلاء البراعم على أنهم لعبة ملهية نتسلى بها وننسى أن تربية الأطفال مسئولية سنسأل عنها يوم القيامة كما روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ان الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته.))، وأول قلعة يتحصن بها الطفل هي الأسرة، أقوى مؤسسة تربوية على الإطلاق، والوالدان بصفة خاصة).

فضل ربنا بني البشر ووهب لهم العقل ، رفعهم عن درك الحيوان ، وبهذا تكون أهداف حياتهم أرقى وأرفع من ضروريات الحيوان. هم يفكرون ويتفكرون ، يتحركون من دوافع واعية مسئولة، فيعيش الفرد بسلام مع نفسه ، يصلحها ويقومها لأنها أول ميدان للعمل ، فان استطاع اصلاحها كان أقدر على اصلاح غيرها ، ويذكر الانسان أنه خلق ولم يكن من قبل شيئا ، فيفهم دينه يأخذ تعاليمه من منبع صف لا يشوبه جهل البشر ، فالايمان الصحيح متى استقر بالقلب ظهرت آثاره في السلوك والعمل.

تعاني القلوب والالباب تصحرا وجفافا ، لم تتذوق حلاوة الايمان الحق ، فمن واجب الفرد أن يهتم بأمور أمته ويحاول الاصلاح قدر جهده ، حتى لو لم يستقم فانه يكون قد أدى واجبه ، وان لم يكن الانسان صالحا بذاته فلن تنفعه استقامة المجتمع ، وورد في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه( .

على أهل العلم والدراية، أصحاب المسئولية والمناصب ، على كل فرد منا أن يعمل من موقعه ويحشد أجناده ، نكاتف جهودنا ونجد معا لاعادة السكينة والطمئنينة للمواطنين ، حكمة الشيوخ توجه حماسة الشباب ، نعيد لمجتمعنا الفرحة والهيبة ، نردع العنف ونوقف قطار الشر ، نحارب الفساد ونرسم على شفته ابتسامة صادقة مشرقة نحو غد أفضل.

يجب أن نتناول الدواء والا نكتفي بتشخيص الداء، نعمل بحنكة ، نتدرج في الخطوات ولا نتعجل في جني الثمار . حتى يكون حل الضائقة والأزمة جذريا ، علينا الاصرار والتصميم لتحقيق مجتمع امن ومدنا ينعم العيش فيها ، لتكون فينا طبيعة وصفة الماء ، اذ يخترق ويفتت الصخر الأصم بلا ضوضاء أو طلب جاه وسلطان.
معا ، يدا بيد ، نحو مجتمع أفضل.

شادي صدقي أبومخ

انتخابات بلدية باقة الغربية تدق الأبواب ، يقترب موعدها وتتضاعف وتيرة انشغال المواطنين بها . مرشحان يدخلان كل حي وزقاق ، يعرضان شخصهم ، ماضيهم وخبرتهم ، يـَعدان السكان بتغيير إيجابي ، يرسمان خطط عمل وأحلام وردية ، يجندان معارفهم وأقاربهم ليدعماهما ويلتفوا حولهما . جد واجتهاد لكسب أكبر قدر من الأصوات ، خاصة المترددين منهم والذين لم يختاروا مرشحهم بعد، فيشكلان قوة ضاربة ليحققا المنشود ، كرسي الرئاسة.

كسب رضا الناس يُحصّـل بعدة طرق ، تصنف تحت عنوانين رئيسيين ، شرعية وغير ذلك ، فالشرعية تعتمد بالأساس على المنافسة الشريفة النزيهة ، إذ يعرض المتنافس نفسه وبرنامجه محاولا إقناع الناس ، أو أن يتخذ السبل الملتوية الغير مقبولة أخلاقيا والغير شرعية شعارا ، وهي كثيرة متنوعة ، عندها تكون النتائج مغلوطة لا تمثل رأي الشارع الباقيّ ، فنجتمع كلنا متكاتفين مطالبين بالتحلي بتعاليم ديننا الحنيف ، رافضين الغش والخداع.

كرسي الرئاسة مغر ، لأجله تدفع مبالغ مالية ضخمة وحملات انتخابية هائلة لجذب الأنظار والأصوات ، فتصب في صالح باثــّها ، لذلك يفقد بعض المرشحين الحس الإنساني حيث يتعاملون مع البشر كأرقام وأعداد ، يوظفون حاشيتهم ، يفصلون أنصار المنافسين ، يعالجون ويتصرفون ويكأن البلدية حاكورة عائلتهم ورثوها عن أجدادهم ، تدّر خيراتها وتؤتي أكــًُلها لهم وحدهم ، فمصادرة الأراضي ، تغيير مسارات الشوارع ، إزاحة مشاريع عامة لأرض مجاورة تعود لمعارض ، وأمور أخرى تشهد صارخة على حال مخز عاشه المجلس ، كرره الرؤساء ، كرهه المواطنون.

الجولة الأولى تميزت بالأخلاق الحميدة وروح المنافسة الطيبة سادت ، فتعانق المرشحون وتبادلوا تمني النجاح أحدهم للآخر ، لم تكن أحداث بارزة تعكر صفو سماء باقة ، لعل عدد المرشحين ووجود قوائم عضوية تمثل الشارع وتصدًُق معه سبب الهدوء ، فأفرزت الانتخابات عن اختيار أعضاء على قدر كاف من الوعي والمسئولية للعمل مع الرئيس والرقي بباقتنا. أما الان ، قبيل الجولة الثانية المصيرية فان الآعيبا تحاك لتخدع المنتخِب ، الآعيب تندرج تحت عنوان " اللا شريعية " .
منصب الرئيس تكليف لا تشريف ، حيث ينتظرُ السكان خدمة المنتخـَب وتفانيه. يعاملهم باحترام وتقدير كبشر لهم كرامة واحترام ، معاملة متساوية متشابهة للجميع كأسنان المشط بلا تمييز قبلي ، بلا مصالح ووساطات ، بعيدا عن العائلية المقيتة البغيضة المنتنة ، خطط عمل مدروسة والاستعانة بالمهنيين الأكفاء لبناء مشاريع عمرانية تقدم المدينة اجتماعيا ، تعليميا ، اقتصاديا ، رياضيا ، وما إلى ذلك. حتى نبني باقة الغد ، باقة الشبابـ،، باقة التي لا تعود لمستقبل ، بل تتقدم مهرولة نحوه
مدينتنا بحاجة لجهد جهيد حتى تخرج من أزمة شديدة ألمت وعصفت بها । بلدنا بحاجة لرئيس صادق يصدُق الناس ، متواضع يسير في الطرقات أذن صاغية لمطالبهم ، يهدف لخدمة باقة ورفعة مكانتها ، يشارك المواطنين اتخاذ القرارات ، يعمل بمهنية ويرتق بالتميز والعمل الجاد المثمر دامجا بين حماس الشباب وحكمة الشيوخ.

الانتخابات يوم وباقة لنا كل يوم ، باقة تجمعنا ، هي عائلتنا الكبيرة ، لن نتركها تضيع ، نصونها محافظين ، لذلك نصوت ونختار من هو أهل لقيادة البلد . تمر الانتخابات وتبقى باقة ، إلا أن يوم الانتخابات ونتائجه توجه وتصوب ، تقرر مصير ووجهة المدينة مستقبلا.

صوتك أمانة ،صوتك غال ، يدا بيد نبني باقة الغد.

شادي صدقي ابومخ

ألم القدس هو ألم عالم إسلامي بأكمله ، يشعر به البعض ويتجاهله آخرون ، يتجاهلونه لقلة حيلتهم أو لتعاونهم مع محتل يحاول تغيير معالم المدينة وتاريخها. معالم تشهد بإسلامها وعراقتها، تاريخ يرتبط بخير البرية محمد عليه أفضل الصلاة والت

سليم، تاريخ عمر




بن الخطا

ب خليفة المسلمين وعهدته ثم



القائد البطل صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين. كلهم كانو

ا هنا ولامست جباههم الطاهرة تراب القدس والمسجد الأقصى المبارك.

تحاك المؤامرات لاحتلال القدس بشكل متواصل غير منقطع، احتل

الا ل

يس جسدياً حسياً فقط، بل يشمل مناح حياتية عدة موجهة للناس كافة مع اختلاف أعمارهم وجن

سهم. الحلبة المركزية البلدة القديمة وجوار المسجد الأقصى، لأن أسمى أهداف السلطة طرد السكان العرب، أصحاب البلاد،

هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم الذي لم يجد علماء الآثار له أثراً حتى اللحظة .

تغيير المناهج التعليمية الفلسطينية لإسرائيلية هي خطوة استعمارية بحته حاربها أهل القدس رافضين اقتناء المنهاج الدخيل. رددوها عالياً أنهم فلسطينيون وليسوا إسرائيليين ولن يقبلوا تبني منهاج غريب عنهم وعن ثقافتهم ونهجهم. وقفتهم كرجل واحد جعلت وزارة التربية الإسرائيلية تتراجع وتأجل الفكرة، لكنها لم تلغها من أجندتها الموجهة للقدس أو ما يسمونه شرقي القدس.

مهرجان إضاءة البلدة القديمة لا يرمي إلى تطوير السياحة. حيث أن الحجاج النصارى يزورون كنيسة القيامة ولا ينتظرون رؤية ألوان بيضاء وزرقاء ترسم نجمة داوود. حالهم حال القلة القليلة من المسلمين العجم شادوا الرحال لأداء الصلاة وإمتاع ناظريهم وتكحيلهما بركعة قرب الصخرة .

هدم باب المغاربة وحي الشرف ، بناء ساحة أسموها المبكى محرفين اسمها الأصلي، حائط البراق ، ليئدوا طقوسهم الدينية التلمودية واضعين أوراق أمنيات وتوسل لرب العباد بين فراغات الحجارة الضخمة. أمالهم تتجه شرق الحائط حيث المسجد الأقصى محاولين اقتحامه وهدمه لبناء الهيكل المزعوم وسط صمت إسلامي عربي مقيت مقزز.

بيت الله طاهر لا يدخله إلا طاهر. بيد أن الشرطة الإسرائيلية ، وزارة السياحة ووزارة الأمن سمحت للسياح دخول ساحات المسجد الأقصى برفقة مرشد يشرح تاريخ المكان. تاريخ تختلف صبغته وحيثياته وفقا لرؤية المرشد والمجموعة. سياح بلباس فاضح ، رجال ونساء ، لا يحترمون قدسية المكان ورفعته الدينية ، ضاربين بالتعاليم الإسلامية عرض الحائط .

تواجد السياح كان بمثابة جس نبض للشارع الفلسطيني ، لم يعترض دخولهم إلا ثلة ترابط وتحب أولى القبلتين. تطور الأمر وبدأ اليهود دخول المسجد بطريقة قانونية بعد أن صدهم أهلنا في الداخل الفلسطيني مرات عدة بأيام النفير. لا يدخلون ويصلون تحت حماية الشرطة فحسب، بل يتواقح احد المرشدين قائلاً سنهدم الصخرة والمسجد القبلي ، ومكان نافورة الماء مركز الهيكل وبيت صلاة آبائنا الأوائل ، هو حق اليهود الخالص. يبدو انه تعلم التاريخ من نبع ملوث، تاريخ مزور لا يمت للواقع بصلة.

شوارع شرقي القدس رديئة، أزقة وحفر، مكارة بيئية ومجارٍ. أولاد اتخذوا الشارع ملهً وملعب، لا ملاعب أو مرافق عامة. اكتظاظ سكاني وبيوت آيلة للانهيار, أوامر هدم ومنع ترميم. أراض البناء حولت لخضراء وتصاريح بناء باهظة الثمن والجهد، هروب الشباب لأراضي السلطة بحثا عن الاستقرار والمسكن تاركين أرضهم المقدسة وأهلهم وإلا عزفوا عن الزواج.

مشاريع بنية تحتية جديدة تلحظها الحارات العربية أفرحت السكان. أما فرحي أنا فمازجه تخوف وقلق ، لأن الخطة كما تبدو واضحة هي تجهيز بنية تحتية لبؤر سرطانية استيطانية جديدة ، تمزق شرقي القدس وتصب قالباً تهويدياً للمدينة ، تحيط بالقدس من كل حدب وصوب ، فتبتلع البلدة القديمة وجوارها لتصبح مركزاً القدس الكبيرة الموحدة تحت سيادة إسرائيلية .

تعست حكومة الأردن التي سلمت القدس عام 1967 .

شادي أبو مُخ - باقة الغربية

أحب مجالسة جدتي والحديث اياها عن أيام قد خلت ، أيام المحبة والبساطة ، لأغذي نفسي وأعتز بأجدادي وتاريخ بلدي ، تصف حياة قاسية شاقة ، صعبة ولذيذة، تآخي الناس وتبني قضية الفرد كقضية جماعية تخصهم ، فأعيش حلاوة ذلك الزمن وافتقد مقوماته وأشتاق لشفافيته ومصداقيته ، فلم نعد نجد صفات السابقون بيننا اليوم ، الا ما ندر.

اتسعت رقعة مدينتي الجغرافية ، تضاعف عدد سكانها ، يقطنها أناس جدد وجدوها مكان ينعم العيش فيه ، فاستقروا ومالحونا المعيشة ، ضعفت الروابط الإجتماعية وهشت العلاقات العائلة ، الحمائل الكبيرة اختزلت لعائلات صغيرة كثيرة ، اختل توازن المجتمع واختلفت تضاريسه ودلائله.

اعتـُبرت المدينة عائلة واحدة ، تشاطرت الأفراح والأحزان ، فقيد عائلة يبكيه الجميع ويشيعوه ، وعريس أخرى يرفعونه على الأكتاف يحملوه ، في حال حزن بيت يلتف حولهم أهلهم ليخففوا عنهم ، وأعراس تلغى تعبيرا عن المودة ، التراحم والاحترام ، حال مختلف عن حالنا ، ولا يخطر ببالنا لاختلاف الأيام ودوران عجلة الزمن.

عند تشييع جنازة في مدينتي أرى أعدادا كبيرة تشارك ، تصلي الجنازة وتيسر فيها حتى الدفن والتلقين ، يحضرون ويقدموا العزاء ، أمر لم أجده في كثير من بلادنا ، لفتة طيبة مباركة، تخفف عن عائلة الفقيد ، إذ يجدون أناسا يقفون جنبهم ويشاركونهم أتراحهم ، أقف متذكرا كلام جدتي ، وألمسه بعد أن سمعته فقط ، فينبعث الأمل وتهمس لي نفسي ، الخير في الأمة حاضر موجود.

أسطر كلماتي هذه لحادثة آلمتني ، فقد شاركت بتشييع جنازة رجل توفي فجأة ، وعدن القبر بعد دفنه بدأ الإمام بتلقينه ، فلم أكد أسمع كلماته رغم قربي منه ، وذلك لارتفاع صوت الموسيقى من كافة الاتجاهات ، من قاعات الافراح واحداها تجاور المقبرة تماما ، رأيت صبيا يتكئ على شجرة أمام الإمام ويبكي بمضاضة ، اعتصر قلبي ألما ، هو ابن المتوفى ، واستشظت غضبا للا مبالاة المحتفلين وأصحاب القاعة بأبناء بلدهم ، لتدوي الموسيقى وتضرب الاذان ، فيرقص على أنغامها بعض ، ويبكي حسرة آخرون .

لنحترم موتانا ، لنحترم عائلة الفقيد ، لنعطي للجنازة والمقبرة حرمتها ، لم أقل أجّلوا أعراسكم ، لكن على الأقل أخرسوا صوت الموسيقى عند الجنازة ، أو لتحددوا صوت الموسيقى فلا تخرح حدود القاعة ، فحتى الأحياء ، جيران القاعات سئموا الازعاج والضجيج ، سئموا قنابل الصوت واطلاق الرصاص ، فيذعر الصغير ويضطرب الشيخ الكبير ، لنهتم ببعضنا البعض نقدر ونتفهم حال الاخرين

الحمَام في صحن قبة الصخرة
المسجد الأقصى المبارك
القدس



بلطف من كتلة اقرأ القدس

شادي أبو مخ


الأرض تحن لدم جدي

دم اختلط بها محبا

أيقظته جدتي صباحا

صلى الفجر جماعة

رجع وشرب كأس شاي

حمل على كتفه زوّادة

نزل السهل صباحا

أخذ حفنة تراب بقبضته

شم ذراتها

قال أحبك يا أرض

بادلته الشعور

أمسك فأسا

بلطف ، خلط التراب

زرع فيها بذرة

انتظر خير السماء

رزق أمطرت الغيوم

حصّلت البذرة حصتها

أخرجت ينعا أخضرا

كبر ونمى

فرح وابتسم جدي

توضأ وصلى الظهر

سمة السجود

واضحة على تجاعيد جبينه

أكل الغداء

خبز طابون وزيت

حب زيتون وفحل بصل

استمر وكد

جد واجتهد

جرح إصبعه

امتص التراب الدم

لعق الجرح واستمر

جلس تحت شجرة مباركة

ينظر غربا

اختبئ القرص الذهبي

غير لون الأفق

شف أحمر

كلون دم جدي

عاد أدراجه للبيت

انتظر جدتي عند الباب

تتكئ على عصاها

أعدت وجبة العشاء

تناولها بعد حمام ساخن

ماء ملئ بحنان الزوجة

وعشرة عشرات السنين

على نار التهمت الحطب سخنته

صلى العشاء ونام بهدوء

حكاية عشق بجنون

رسمتها أيام دهرنا

يحدثها عجوز بمحبوبته فخور

أرضعتها زوجته لأبنائها

وحدثت أحفادها

قصة انتهت بوفاة جدي

ولم ينفذ حبنا لها

أوفت الأرض بالعهد

فاحتضنت جدي بعد وفاته

تحت شجرة شامخة فارعة

استظل بظلها كثر

يقرئون الفاتحة الآن

على روح جدي

ورغم اعتنائنا ومعالجتنا الأرض

إلا أنها تفتقد الحب الصادق

حب جدي رحمه الله

الأرض تحن لدم جدي

دم اختلط بها محبا

محبا

شادي أبو مُخ - باقة الغربية
لمدينة القدس مكانة خاصة ، تسمى مركز التقاء الديانات الثلاث ، يعنون بقولهم البلدة القديمة ، ففي قلبها على صحن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المسجد الأقصى المبارك ، فيها كنيسة القيامة ، وما يدعونه حائط المبكى ، أي حائط البراق الإسلامي ، ساحة حائط البراق الغربية المبسوطة لم تكن كذلك سابقا ، قبل عام 67 ، إذ سكنت في بيوت تم هدمها عائلات حي الشرف ، عند باب المغاربة ، صمد الباب أربعون عاما، ليهدم سنة 2007 بغية إقامة جسر فخم يخدم مصالح السلطة الاسرائيلية " بتطوير " ملامح البلدة القديمة.
عام 67 غير معالم المدينة ، عكر صفو سماء رسمت على قبة ذهبية ، بدأت الدولة اليهودية ، كما تعرف نفسها ، بتنفيذ خطة لم تغفل عنها يوما ، بل أعدت لها وانتظرت لحظة تمكنها وتمكينها لاخراج الافكار حيز التنفيذ واقعا ، القدس الواحدة الموحدة عاصمة الدولة اليهودية ، رفضوا التقسيم المقترح والموجود منذ نكبة فلسطين ، رفضوا تسمية القدس الشرقية والقدس الغربية ، محتفلين سنويا بيوم توحيد القدس ، مطالبين الأيام نسيانهم ان نسوا أو فرطوا بذرة تراب من أرض القدس ، لتيقنهم بقدسية القدس وارتباطها بتاريخهم كما أرضعتهم أمهاتهم.
تصُب الحكومة أموالا طائلة للقيام بمشاريع تغير طابع المدينة الإسلامي ليشابه ادعائهم وتلمودهم ، صمت الدول وعدم تعقيبها منح السلطة الشرعية للاستمرار بالقيام بتنفيذ مدينة داوود ومرافقها على حساب المواطن المقدسي العربي ، توحيد القدس أعطى الضوء الأخضر للاستيطان شرقي القدس ، البؤرة والهدف البلدة القديمة وجوارها ، حي البستان وسلوان ، الشيخ جراح ، وادي الجوز وجبل الزيتون ، أضحت هدفا للجمعيات الاستيطانية ، مبالغ خيالية وشيكات مفتوحة تعرض على المواطنين مقابل بيت مساحته 40 مترا.
قبل بعض أصحاب القلوب المريضة ، رفض المبدئي واستفاق الغافل ليعلم أن مبالغ كهذه لا تدفع عبثا ، وأن بيته الحقير يساوي أكثر بكثير ، قيمته لا تقدر بثمن ، لا يساويها مال أو ذهب ، أيقن بسمو وعلو وتعقد قضية القدس الشائكة ، ليتأكد أن رفضه المال عزة وكرامة ، تمسكه ببيته قصة صمود ورباط امام وحش كاسر قوته المادة ، فيفشل برفضه تشكيل طوق قلبه الأقصى مرحليا ، هيكلا لاحقا.
أكتب هذه المقدمة البسيطة لتعوا أي مأساة وحقد طبقي في القدس بين السكان العرب ذاتهم ، رغم صعوبة مرحلتهم وحالهم .
قرر عدد كبير من سكان الخليل الانتقال للسكن في القدس ، ليعملوا ويجدوا لقمة عيشهم بعد تسليم الاردن اسرائيل مدينة القدس ، لاقوا بداية معارضة مقدسية إلا أنهم واجهوها واستمر تنقلهم ليفوق عددهم السكان الاصليين ، وليكون لهم لاحقا وحتى يومنا دور بالحفاظ على ما تبقى من القدس اذ للمسكن والأرض مكانة خاصة عندهم.
يحدثني أحدهم ، ومثله كثر ، أنه جاء في السبعينيات من الخليل للقدس مع عائلته وكان شابا ، عائلة مباركة الأولاد ، استأجروا بيتا في القدس ، عملوا وكدوا ليجمعوا مبلغا من المال مكنهم شراء قطعة أرض وبناء عمارة ليتزوج واخوته ويسكنوها ، لاقوا مضايقة من جيرانهم لانهم " الخلايلة " الوحيدين" في الحي ، الا أنهم صبروا حتى اعتاد عليهم السكان وازداد عدد الخلايلة حولهم.
كبر أولاده واراد شراء بيت ليزوجهم ، أقدم ليرد خائبا ويصدم باجابة لم يتوقعها بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما ، فقد قال له صاحب البيت ، مقدسي الأصل ( ولا أعمم كلامي على أهل القدس كافة ، بل هي ثلة تمسكت بعصبية نتنة منتنة مذمومة ) ، أفضل بيع المستوطن اليهودي لا بيعك أنت لانك خليل الأصل !! صدم وذهل ، فأين الاخوة والناس سواسية ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، كأن ابن الخليل قدم من الفضاء أو أقل قدر ودرجة من المقدسي !
تابع وقال أن بعض المقادسة يعلنون بلا حياء أو خجل ، لن نزوج بناتنا للخلايلة ولن نتزوج بناتهم !!
ألهذا الحد وصلنا ! الهذا الانحطاط ! أين العدل الاجتماعي والمساواة ؟! أين الدين والأخلاق ! أونسأل ما بال الأقصى حزين خالٍ من المصلين ! أنبكي القدس ولا يبكيها ولدها ! من أين يأتي النصر ولم يرحم أحد أخاه ! كيف يمنع هدم البيوت أن لم يكن أهل القدس كالجسد الواحد !ولا حول ولا قوة الا بالله .